شخصية فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) الجامعة للأطراف
إنّ جهاد تلك السيّدة الجليلة في الميادين المختلفة هو جهادٌ نموذجي، في الدفاع عن الإسلام وفي الدّفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النّبي (صلّى الله عليه وآله) وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أمير المؤمنين الذي كان زوجها. وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّة بشأن فاطمة الزهراء (عليها السلام): «ما أغضبتني ولا خرجت من أمري». ومع تلك العظمة والجلالة فأنّ فاطمة الزّهراء (سلام الله عليها) كانت زوجة في بيتها، وامرأة كما يقول الإسلام، وعالمة رفيعة في الساحة العلميّة.
وفيما يخصّ الخطبة التي أوردتها فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في مسجد المدينة بعد رحيل النّبي (صلّى الله عليه وآله) قال العلّامة المجلسي: إنّ على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة. فقد كانت قيّمة إلى هذه الدّرجة، ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغ وفي مستوى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام). ذهبت فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني، هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وجهادها وسلوكها كزوجة كأم، وإحسانها إلى الفقراء.
فمرّة أرسل النبي (صلّى الله عليه وآله) رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزّهراء (عليها السّلام) جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيء غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده.
الإمام الخامنئي ١٩٩٢/١٢/١٦
العوامل التي تقوي نور البصيرة
البصيرة هي قوّة نفسانية تكوّنت بإلاستعانة بالله و هي أن يرى صاحب البصيرة الحقائق ويرى المستقبل وغوامضه من وراء الظَواهر ما لا يراه غيرُه فتفتح أمامه آفاق العروج الی الکمالات و الخيرات و دفع الشرور. ومن يملك البصيرة یستطيع أن يميز الحقَ من الباطن ، ويسمع الأمور بالشكل الصحيح و يفکّر تفكيراً سليماً، کما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «فإنّما البصير من سمع فتفكّر و نظر فأبصر و انتفع بالعبر ثمّ سلك جدداً واضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي». (نهج البلاغة ، الخطبة رقم 153)
وتهدينا النصوص الشريفة الی العوامل التي تقوي نور البصيرة في الإنسان و من أهمها:
1- ذکر الله: وهو ذكر الكمال المطلق و الحقّ المبين و النور الذي ليس بعده نور و لا مثله نور و هو المطلق الذي لا شيء فوقه أو بكماله ؛ فبذكر الله يُبصرون أنَّ الشيطان يكيد بهم و يُحاول أن يُوقعهم في الخسران فيفارقونه و يفرّون من خبثه و مكره إلى الله و رحمته و هداه . قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی جَعَلَ اَلذِّکْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ» (نهج البلاغة، الخطبة رقم 222 )
2- التدبّر في القرآن: تلاوة القرآن و التدبر في آياته هي من عوامل البصيرة في التفکر العلوّي: قال (ع): «کِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَ تَنْطِقُونَ بِهِ وَ تَسْمَعُونَ بِهِ» (نهج البلاغة، الخطبة رقم 133)
3. التقوی: وهي مقدِّمةً لمعرفةُ الحقّ وروحًا للتعلّقُ به و الإذعان له و الاستجابة لمقتضاه و هذا منافٍ للجهل و الهوى و الطيش مما يُفسد جوَّ الرُّوح و يُعكِّر رؤية البصيرة و هو فاتح لطريق التبصُّر و مُلهِمٌ للرّشد و ممِدٌّ بالحكمة و منقٍّ لجوّ النفس من الظلمة. بيّن الإمام عليه السلام سمات المتقين و سالکي طريق الحق و البصيرة بأن: «عِبادَاللهِ اِنَّ مِنْ اَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ اِلَیهِ عَبداً اَعَانَهُ اِللهُ عَلَی نَفْسِهِ … قَدْ اَبْصَرَ طَریقَه و سَلَک سَبیلَهُ وَ عَرَفَ مَنَارَهُ و قَطَعَ غمارَه وَ اسْتَمْسَک مِنَ الْعُری بِاَوثَقِها و من الجِبَالِ بَاَمْتَنِها فَهُوَ مِنَ الْیقینِ عَلَی مِثْلِ ضُوءِ الشَّمْسِ» (نهج البلاغة، الخطبة رقم 87)
4. الإعتبار: قال أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) في الخطبة 82 نهج البلاغة: «وَ مَنْ اَبْصَرَ بِها بَصَّرَتْهُ وَ مَنْ اَبْصَرَ اِلَيْها اَعْمَتْهُ»
5- التفکر: إنّ فِكْرُ الإنسان إذا فُعّل أثمر و إذا عُطِّل هُدِر و خُسِر. تفعيله بالنظر في الآيات، آيات الأنفس و الآفاق و في دروس الحياة و الموت و الغِنى و الفقر و القوَّة و الضعف و تغيُّر الأحوال و ما تغنى به السَّماوات و الأرض و عجائب الخَلق من دلالات و ما ينتهي إليه النَّظر من دقائق الخلق و ما وراءَ ذلك من عظيم القدرة و إحاطة العلم و بالغ الحِكمة؛ هذا التفعيل و الإنتاج يمُدُّ البصيرةَ بالقوّة و الحيويَّة و يُوسِّعها و يفتح أمامَها الآفاقَ و يزيد في نفوذها. قال الإمام عليه السلام: «الفِکرُ یَهدِی» و «الفکرُ رُشدٌ» و «اَلفِکرُ یُنیرُ اللّبَّ». کما يعرف الحکمة فائدة التفکر و قال: «اَلفِکرُ یُفِیدُ الحِکمَة» (غررالحکم و دررالکلم، ج2، ص291)
فالبصيرة هي قدرة على الرؤية الصحيحة التي تساعد في تشكلّها عدة أمور؛ منها العقل و التجربة و التربية والعلم و الثقافة و صدق المجاهدة مع النفس و إصلاحها و التوبة و الزهد و التوسل الی الله بواسطة الأئمة والدعاء و مجاورة العلماء والتفقّه في الدّين و المعرفة بالزمان و أهله و تقوية الصلة بالله تعالى. اللهمّ و ثبّت في طاعتك نيّتي و أحكم في عبادتك بصيرتي.
(الصحيفة السجّاديّة، دعاء التوبة، رقم 31)
سیدة فاطمه قاسمی – سیدة سکینه ملکی – سیدة عاطفه حسینی حجازی
أسباب تحصيل البصيرة
البصيرةُ علمٌ محيط، ورؤيةٌ قلبيّة نافذة، ووزنٌ دقيقٌ للأمور، يرى صاحِبُها الحقائق من وراء الظَواهر، ومن المستقبل وغوامضِه ما لا يراه غيرُه.
أسباب تحصيل البصيرة:
1.صدق المجاهدة:
إن الجهاد ليس فقط في الحروب والقتال، بل هو أكبر من ذلك فهو يمتد إلى مجاهدة النفس، لأن طبيعة النفس كثيرًا ما تخلد إلى الكسل والاسترخاء
وجهاد النفس يتحقق بالإيمان والإخلاص والصدق والصبر ، فينبغي على المسلم أن يكون عنده استعداد للتغير الأحسن ، صادقا في عزمه وأن يترك طريق المعصية واتباع الهوى.
2.إتمام الفرائض وزيادة النوافل:
إنّ من اجتهد بالتقرب إلى الله عز وجل بالفرائض ثم بالنوافل قربة الله إليه؛ ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان؛ فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة؛ فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره؛ فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش بطش به.
3.تحري الكسب بأكل الحلال:
الكسب الطيب والمال الحلال ينير القلب ويشرح الصدر و يورث الطمأنينة والسكينة والخشية من الله ويعين الجوارح على العبادة والطاعة.
4.صدق التوكل مع حسن الظن بالله:
التوكل المقصود منه التفويض والرضا.
5.اليقين بالله
6.معرفة السنن الربانية
7.التفكّر:
فِكْرُ الإنسان حيث يُفعّل يُثمر، وإذا عُطِّل هُدِر وخُسِر. تفعيله بالنظر في الآيات، آيات الأنفس والآفاق، وفي دروس الحياة والموت، والغِنى والفقر، والقوَّة والضعف، وتغيُّر الأحوال، وما تغنى به السَّماوات والأرض وعجائب الخَلق من دلالات، وما ينتهي إليه النَّظر من دقائق الخلق، وما وراءَ ذلك من عظيم القدرة، وإحاطة العلم، وبالغ الحِكمة؛ هذا التفعيل والإنتاج يمُدُّ البصيرةَ بالقوّة والحيويَّة ويُوسِّعها، ويفتح أمامَها الآفاقَ، ويزيد في نفوذها.
8.العلم والتعلّم:
الطريق العامُّ للعلم التعلُّم، ومن دونه يَغلقُ الإنسانُ عن نفسه أبوابَ المعرفة، ويسلك بها ظلمة الجهل. فصار العلم والتعلُّم سببًا من أسباب نضج البصيرة وتفتُّحها وإعطائها السَّعةَ والامتداد.
9.التقوى:
التقوى مقدِّمةً معرفةُ الحقّ، وروحًا التعلّقُ به، والإذعان له، والاستجابة لمقتضاه. وهذا منافٍ للجهل والهوى والطيش مما يُفسد جوَّ الرُّوح، ويُعكِّر رؤية البصيرة، وهو فاتح لطريق التبصُّر، ومُلهِمٌ للرّشد، وممِدٌّ بالحكمة، ومنقٍّ لجوّ النفس من الظلمة.
9.ذكر الله:
ذكر الله ذكر الكمال المطلق، والحقّ المبين، والنور الذي ليس بعده نور، ولا مثله نور، ولا مكانَ وهو المطلق لفرض نور فوقه أو بكماله؛ ذكر لذلك وانشداد إليه، وتعلُّق به، وسير روحي في اتجاه علاه.
فبذكر الله يُبصرون أنَّ الشيطان يكيد بهم، ويُحاول أن يُوقعهم في الخسران فيفارقونه، ويفرّون من خبثه ومكره إلى الله ورحمته وهداه.
10.الإخلاص:
إخلاصُ العبد لربّه سبحانه في النيّة والتوجُّه والعمل بصيرة ما أعظمها من بصيرة، ومن عطائها معرفة أكبر، وشوق أشدّ إلى الله، وتعلُّق أقوى به، وبصيرة فوق البصيرة.
11.الزهد
12.استقبال الأمور:
النظر المبكر في ما يستقبل الإنسان من أمر، والدراسة العلميّة لكلِّ الاحتمالات التي يمكن توقُّعها، والتفكير في الموقف العملي المناسب لكل منهما يُعين على تكوين نظرة صحيحة لما قد يحمله المستقبَل في المسألة، وما ينبغي اتّخاذه بإزاء ما يحدث، ويُعطي رؤية قد تكشف عن غموض المستقبل وكيفية مواجهته.
وتَرْك الأمور إلى أن تُفاجئ الإنسان، وتضعه أمام الظرف المحرج، والحدَث الصعب غير المحتسب يُقلق الرؤية، ويُربك الموقف، وقد يشلّ التفكير، ويوقع في الفشل.
13.الجوع:
والإسلام لا يريد بهذا أن تجوع الجوع الذي يجرّ إليك الأمراض، ويوقعك في الأسقام، ويشلّ حركة التفكير عندك، ويقعد بك عما أوجب الله عليك. كما لا يريد لك أن تُقِرَّ التفاوت الطبقيّ الظالم الذي يتخم به البعض، ويجوع ويمرض ويشقى به آخرون.
وإنما يريد لك ألا تسُدَّ منافذ قلبك، ولا تُعطِّل حركة الروح، وتُفسد عليها وظيفتها في طلب النموّ والاستنارة والكمال بتُخمة البطن، وأذاها.
14.الدعاء:
الذي ينال اهتمامًا عاليًا جدًّا في التشريع الإسلامي ومقام العبادة، ويتناول كلَّ أمر صغير وكبير من أمور الدّينِ والدّنيا، والرّوح والبدن لا بدّ أن يتعلّق بأمر البصيرة التي إن صحَّت واستقامت صحّ الدين واستقام، وإن سقُمَت أو زاغت فسد الدين وأُصيب بالعطب البالغ والانحراف.
سیدة فاطمه قاسمی – سیدة سکینه ملکی – سیدة عاطفه حسینی حجازی
المرأة والمهدوية
إنّ للمرأة في عصر غيبة ولي الله الأعظم (عجل الله فرجه الشريف) دور عظيم. يقع عليها واجب التبليغ ونشر العقيدة المهدوية والعمل على نوعية وتربية الاشخاص المحيطين بها؛ لغرض إقامة قاعدة قادرة على تبيين الفكر المهدوي وفهم فلسفة الثورة العالمية وأهدافها المرجوّة. ومن هنا لا يوجد فرق بين دور المرأة في عصر الظهور مع دور المرأة في واقعة الطف. لقد وقفت نساء كربلاء بالمرصاد للحزب الأموي من خلال قيامهن بتصحيح وتوضيح أهداف الثورة الحسينية العظيمة لدى عامّة الناس وخاصّتهم، بعدما إلتبس عليهم الأمر من خلال التربية الخاطئة التي كان يتبعها الحزب الأموي وأتباعه.
فقد تلعب المرأة دوراً رائداُ وبارزاُ في زمن حكومة المنتظر المهدي العالمية وبدءً بالظهور؛ لأن نساء عصر الظهور يمتلكن صفات حميدة وطاقات ومؤهلات خاصّة مما يؤهلهن ليصبحن ضمن العدّة المعدودة التي تلتحق بالإمام في حركة مسيرته من مكّة وحتى سقوط الصنم اليهودي في فلسطين، حيث اختلفت الروايات في تحديد عدد النساء اللواتي يلتحقن بالإمام ويبايعنه في مكة. فالبعض يشير الى خمسين امرأة والبعض ثلاثة عشر فقط وعند الجمع بين الروايات يجد الباحث أن عدد النساء اللواتي يصحبن في جِيشِ الإمام (عجل الله فرجه الشريف) خمسون امرأة، وثلاثة عشر منهن لهن أدواراً خاصةً تتمثل بالوقوف سدّاً منيعاً لإسناد الحركة المهدوية، وكذلك القيام بإسعاف الجرحى، إضافة إلى دورها في التبليغ ضد الحركات المناهضة للحركة المهدوية، كحركة الدجال والحركات الأخرى. فقد قال الإمام الباقر( عليه السلام ): (ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد فزعاً كفزع الخريف). ( المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ج52، ص223). وعنه أيضا (عليه السلام): (وتؤتونا الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).
فهذه الروايات تدل على دور المرأة قبل وفي عهد الحكومة العالمية. حيث إنّ لها من التكاليف العامّة ما للرجل من وظائف وأدوار، فلا يختلف دورها إلّا فيما يرتبط بطبيعتها البيولوجية التي أزاحت عنها بعضاً من مسؤوليتها إلّا أنها أضافت لها في عين الوقت مسؤوليات إضافية أخرى. وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن ينصر الإمام المهدي المنتظر وينتصر به.
سیدة فلاحی، سیدة مرادی، سیدة نصیر.
شخصية السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها)
هي فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وأخت الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وقد ورد في بعض التواريخ أنّ الرضا لقّبها بالمعصومة. فكانت ولادتها في المدينة المنورة في الأول من ذي القعدة عام 173 هـ. وترعرت في بيت الإمام الكاظم (عليه السلام)، ونشأت تحت رعاية أخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، وتوفيت في عام 201 هـ ودفنت في مدينة قم في إيران، ولها مرقد ضخم، يزوره الملايين سنوياً.
وهي العالمة غير المعلَّمة، وممّا يدل على مكانتها العلمية ما ورد في بعض الوثائق التاريخية من أنّ جماعة من الشيعة قصدوا المدينة يريدون الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت معهم، وكان الإمام موسى بن جعفر الكاظم مسافراً خارج المدينة، فتصدت السيدة فاطمة للإجابة و كتبت لهم جواب أسئلتهم. وفي طريق رجوعهم من المدينة صادفوا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، فعرضوا عليه الإجابة وعندما اطلع على جوابها قال ثلاث مرات: «فداها أبوها».
فكانت السيدة المعصومة (سلام الله عليها) ذات شخصية عظيمة، وعالمة حيث إنّها تملك علماً غزيراً. وقد قال بحقّها قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي في مدینة قم: «ولا شك أنّ دور السيّدة المعصومة عليها السلام، وما أضفته من عظمة على هذه المدینة الدینية التاریخية العریقة، هو دورٌ لا كلام فيه. فهذه السيّدة الجليلة، وهذه الفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ، بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمة عليهم السلام، ومسيرها بين المدُن المختلفة، ونشر بذور المعرفة والولایة بين الناس على امتداد هذا المسير، وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قم، تمكّنت من جعل هذه المدینة تسطع كمركزٍ أساس لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر المظلم والحالك لحكومة المتجبّرین، وتتحوّل إلى قاعدة تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت على أطراف العالم الإسلامي بشرقه وغربه». 21/10/2010 م، أثناء لقائه جمعاً من أساتذة و طلاب الحوزة.
وقد استقرّ بها المقام في مدينة قم، بعد رحلة شاقة ومتعبة وما لاقته في مدينة ساوة من اعتداء على موكبها القادم من المدينة المنورة، واتخذت مكاناً لعبادتها في (بيت النور) الواقع في ميدان مير، واتخذت حجرة من حجره لتتبتل وتنقطع إلى الله تعالى حتى وافتها المنية بعد سبعة عشر يوماً من وصولها إلى مدين قم.
وعندما سمع الإمام الرضا (عليه السلام) بوفاتها زارها من مرو بزيارتها المشهورة: (السلام على آدم صفوة الله….)، وجاء في حديث الإمام الجواد (عليه السلام) عن مكانتها قائلاً: (مَنْ زارَ قَبْرَ عَمَّتِی بِقُمَّ فَلَهُ الْجَنَّه)، (بحار الأنوار، ج 99 :ص 266 .)
وهي الشفيعة في يوم المحشر، فشفاعتها بعد شفاعة السيدة الکبری فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، حيث قال الامام الصَّادِقِ (عليه السلام) عن شفاعها: «تَدْخُلُ بِشَفاعَتِها شیعَتِیَ الْجَنَّهَ بِاَجْمَعِهِمْ» (بحار الأنوار، ج57: 228).
فهي (عليها السلام) من سلالة الشرف والعفة والنجابة والطهارة، حيث إنّها تنحدر مِن سلالة النبوة، وسلالة الإمامة، وجدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تلك الشجرة المباركة المثمرة بالعطاء والرحمة والهداية.
حتى أصبح حرمها قبلة لعشاق العبادة والطاعة لله ولرسوله ولأهل بيته (عليه السلام)، فقال الإمام الصادق (علیه السلام) واصفة حرمها: (إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَ هُوَ مَكَّةُ ، أَلَا إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ حَرَماً وَ هُوَ الْمَدِينَةُ ، أَلَا وَإِنَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَماً وَهُوَ الْكُوفَةُ ، أَلَا وَإِنَّ قُمَّ الْكُوفَةُ الصَّغِيرَةُ ، أَلَا إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا إِلَى قُمَّ تُقْبَضُ فِيهَا امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي اسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُوسَى ، وَتُدْخَلُ بِشَفَاعَتِهَا شِيعَتِي الْجَنَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ). (بحار الأنوار: 57 / 228).
وقد اشتهرت باسم (المعصومة)، وهو المستفاد من الرواية المنسوبة إلى علي الرضا والتي جاء فيها: «من زار أختي معصومة في قم كمن زارني». وجاء في رواية أخرى عنها أنها أشارت إلى أن اسمها معصومة وأنها أخت الرضا.
ولها ألقاب كثيرة وصفت بها، منها: الطاهرة، الحميدة، البرّة، التقية، النقية، الرضية، المرضية، السيدة وأخت علي الرضا.. (بحار الأنوار للمجلسي، ج 99 : 26).
رزقنا الله تعالى وإیاکم زیارتها في الدنيا، وشفاعتها في الآخرة.
سیدة شحیطاوی، سیدة قدمی، سیدة دانشخواه.